ثقافة "الاحتجاج الصامت": أول مسيرة نسائية فلسطينية في شوارع القدس عام 1929
تعود بنا المخرجة محاسن ناصر الدين في فيلمها الوثائقي "الاحتجاج الصامت"، الذي يعرض في اطار "بيانلي الفنون- جو تونس" ب6 نهج فلسطين بالعاصمة، تعود بنا الى صفحة منسية من التاريخ الفلسطيني. صفحة كتبت احرفها مجموعة من النساء الفلسطينيات احتجاجا على المعاملة غير الانسانية التي جوبهت بها "انتفاضة البراق".
ففي شهر اوت من سنة 1929، شهدت فلسطين اول انتفاضة على محاولة تهويد القدس في عهد الانتداب البريطاني، واسفرت هذه الانتفاضة، التي تواصلت من 9 الى 23 اوت 1929، عن ارتقاء عشرات الفلسطينيين وجرح عدد آخر منهم.
اتفقت حينها مجموعة من النساء الفلسطينيات على تنظيم تظاهرة احتجاجية للتعبير عن رفض النساء القاطع لانحياز الانتداب البريطاني لصالح الحركة الصهيونية الدافعة الى تهويد القدس غير ان مبادرتهن قوبلت بالرفض، فقررن -رغم المنع- الخروج في مسيرة احتجاجية صامتة تجوب شوارع القدس بالسيارات.
وبالفعل توافدت يوم 26 اكتوبر 1929 من مختلف انحاء فلسطين قرابة 300 امرأة فلسطينية للمشاركة في المسيرة الاحتجاجية الصامتة معلنة بذلك عن ميلاد اول حركه نسوية فلسطينية منخرطة في حركه المقاومة التي تبلورت لصد العلامات الاولى للاحتلال ومحاولات اقامة دولة قومية لليهود في فلسطين استنادا الى اعلان وعد بلفور عام 1917.
ورغم ندرة الارشيف حول هذه المظاهرة النسائية، توفقت المخرجة محاسن ناصر الدين، بالاعتماد على عدد من الصور التي التقطت آنذاك و تظهر فيها عدد من النسوة المشاركات في الاحتجاج الصامت، في رسم ملامح هذا الحراك الثائر واخراجه للنور بعد مرور ما يزيد عن 90 سنة عن تاريخ انعقاده.
ومما يكشفه الفيلم، الذي اعتمد على بحث دقيق في هويات النساء المشاركات في المسيرة الصامتة، أسماء هؤلاء النسوة ومن بينهن على سبيل الذكر لا الحصر السيدات طرب عبد الهادي وفاطمة الحسيني ووحيدة الخالدي وكاترين شكري ديب وغيرهن ممن وضعن اسس حركة المقاومة النسائية الفلسطينية.
ومن خلال عملية اسقاط زمني، اقتفت المخرجة خطى هؤلاء النسوة محاولة استرجاع مراحل هذه المسيرة فجابت بسيارتها شوارع القدس ساعية لتكون، بعد مضي تسعة عقود، الشاهد التاريخي والسينمائي في نفس الوقت عن ميلاد حركة نضالية لم يرهبها عنف الانتداب البريطاني ولا محاولات الترهيب اليهودية بل واجهتها برباطة من له احقية الارض وحرية الدفاع عنها.
شيراز بن مراد